responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 489
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
عَطْفٌ عَلَى قَوْله: نِعْمَتِيَ [الْبَقَرَة: 47] فَيُجْعَلُ (إِذْ) مَفْعُولًا بِهِ كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الْأَعْرَاف: 86] فَهُوَ هُنَا اسْمُ زَمَانٍ غَيْرُ ظَرْفٍ لِفِعْلٍ وَالتَّقْدِيرُ اذْكُرُوا وَقْتَ نَجَّيْنَاكُمْ، وَلَمَّا غَلَبَتْ إِضَافَةُ أَسْمَاءِ الزَّمَانِ إِلَى الْجُمَلِ وَكَانَ مَعْنَى الْجُمْلَةِ بَعْدَهَا فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ وَكَانَ التَّقْدِيرُ اذْكُرُوا وَقْتَ إِنْجَائِنَا إِيَّاكُمْ، وَفَائِدَةُ الْعُدُولِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ فِي الْإِتْيَانِ بِإِذِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْجُمْلَةِ اسْتِحْضَارًا لِلتَّكْوِينِ الْعَجِيبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ هَيْئَةِ الْفِعْلِ لِأَنَّ الذِّهْنَ إِذَا تَصَوَّرَ الْمَصْدَرَ لَمْ يَتَصَوَّرْ إِلَّا مَعْنَى الْحَدَثِ وَإِذَا سَمِعَ الْجُمْلَةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ تَصَوَّرَ حُدُوثَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَنَشَأَتْ مِنْ ذَلِكَ صُورَةٌ عَجِيبَةٌ، فَوِزَانُ الْإِتْيَانِ بِالْمَصْدَرِ وِزَانُ الِاسْتِعَارَةِ الْمُفْرِدَةِ، وزان الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ وِزَانُ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، وَلَيْسَ هُوَ عَطْفًا عَلَى جملَة اذْكُرُوا [الْبَقَرَة: 47]
كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْعَلُ (إِذْ) ظَرْفًا فَيَطْلُبُ مُتَعَلِّقًا وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَا يُفِيدُهُ حَرْفُ الْعَطْفِ لِأَنَّ الْعَاطِفَ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ لَا يُفِيدُ سِوَى التَّشْرِيكِ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ نَائِبًا مَنَابَ عَامِلٍ، وَلَا يُرِيبُكَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَعْنِي وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ بِجُمْلَةِ وَاتَّقُوا يَوْماً [الْبَقَرَة: 48] فَتَظُنُّهُ مَلْجَأً لِاعْتِبَارِ الْعَطْفِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَمَّا عَلِمْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْله: وَاتَّقُوا ناشىء عَنِ التَّذْكِيرِ فَهُوَ مِنْ عَلَائِقِ الْكَلَامِ وَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ النُّحَاةِ مَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ الْمُتَعَاطِفَيْنَ لَيْسَا بِمَرْتَبَةِ الِاتِّصَالِ كَالْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ، وعدي فعل فَأَنْجَيْناكُمْ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ مَعَ أَنَّ التَّنْجِيَةَ إِنَّمَا كَانَتْ تَنْجِيَةَ أَسْلَافِهِمْ لِأَنَّ تَنْجِيَةَ أَسْلَافِهِمْ تَنْجِيَةٌ لِلْخَلَفِ فَإِنَّهُ لَوْ بَقِيَ أَسْلَافُهُمْ فِي عَذَابِ فِرْعَوْنَ لَكَانَ ذَلِكَ لاحقا لأخلافهم فَذَلِك كَانَت منَّة النتيجة مِنَّتَيْنِ: مِنَّةٌ عَلَى السَّلَفِ وَمِنَّةٌ عَلَى الْخَلَفِ فَوَجَبَ شُكْرُهَا عَلَى كُلِّ جِيلٍ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ أَوْجَبَتْ عَلَيْهِمْ شَرِيعَتُهُمُ الِاحْتِفَالَ بِمَا يُقَابِلُ أَيَّامَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَيَّامِ كُلِّ سَنَةٍ وَهِيَ أَعْيَادُهُمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إِبْرَاهِيم: 5] .
وَآلُ الرَّجُلِ أَهْلُهُ. وَأَصِلُ آلٍ أَهْلٌ قُلِبَتْ هَاؤُهُ هَمْزَةً تَخْفِيفًا لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ مَدًّا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ أَهْلٌ رُجُوعُ الْهَاءِ فِي التَّصْغِيرِ إِذْ قَالُوا: أُهَيْلٌ وَلَمْ يُسْمَعْ أُوَيْلٌ خِلَافًا لِلْكِسَائِيِّ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 1  صفحة : 489
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست